الأربعاء، 30 أبريل 2025

هيرودوت في زيارة تل بسطة بالزقازيق

 هيرودوت في زيارة تل بسطة بالزقازيق 




حوالي عام ٤٥٠ ق . م هبط مصر الرحالة الإغريقي هيرودوت دارسا أهم معالمها وكان دائما يسير هذه المعالم وقد أسهب في وصفها .

 

حقا إنه كان كثير الظن والتوهم ، وكان ظنه يخطىء ويصيب ، وإنه ليروى لنا على أية حال ما استمعه وأصغى إليه من قول الأدلاء في عهده، وقد أصاب الحقيقة في وصفه لكثير من المعالم التي رآها ، وكان منها معبد القطة " باست " في مدينة بوباستة ، وهى تل بسطة الحالى قرب الزقازيق .

 

وكانت القطة، تعبد في هذه المدينة باعتبارها إلهة حياة وحب وفرح وسرور، واعتقد القوم بأن فيها قوة سحرية خاصة ، كما زعموا أنها أكبر بنات ، آتوم ، إله الشمس ، وقد أطلق عليها هيرو دوت اسم أرتميس (ديانا) معبودة الإغريق التي اجتمعت لها خصائص القطة, باست ، وكانت تعد إلهة القمر وملكة الأدغال والجبال والطاهرة النقية ، المشغوفة بالصيد في أثناء الليل ، حتى إذا طلع النهار أرخت قوسها وانغمرت في عالم أخيها
"أبولون " إله الشمس

.
وقد حدثنا هيرودوت عن زيارته لتل بسطة واهتمام القوم فى مصر بعيد الآلهة في قوله ، يعد من أعظم الأعياد التي يهتم المصريون بإحيائها ويؤمها عدد كبير منهم أكثر من أى عبد آخر . ذلك العيد الذي يقــام في مدينة بوباستس تمجيداً لأرتميس.


وإنك لتشاهد فى هذا العهد الرجال والنساء يجيئون أرسالا  تترى ويقبلون إليه جماعات شتى من جهات متفرقة في القوارب والمراكب التي تتهادى بهم على مياه النهر وكل سفينة منها تحمل أفواجا كثيرة .

 

وترى بعض النساء في هذه السفن يضربن بالصنوج والدفوف ويعزف الرجال بالمزمار طوال وقت الرحلة ، أما بقية الجمع الحافل من النساء والرجال فإنهم كانوا يغنون ويصفقون بأكفهم، وكلما وصل سربهم إلى إحدى المدن الواقعة على جانبي النهر اتجهت السفينة بهم نحو الشاطى وتظل النساء يلعين ويغنين على حين تسمع من الرجال تصفيقا وقهقهة وهتافا ثم ينادى بعضهم نساء الحى ويوجه إليهن السباب ، وكان البعض يرقص ويعبث ، أما البعض الآخر فيقف ليبدى عن سوأته، ويظل القوم على هذه الحال مازحين عابثين مرحلة بعد مرحلة على طول مجرى النهر حتى يصلوا فى النهاية إلى مدينة « بو باستس " حيث يقيمون العيد
ويقدمون الضحايا .

وكان النبيذ الذي يرتوون منه هناك في أيام العيد يفوق ما كان يستهلك طوال أيام السنة .
ويقدر عدد رواد العيد من الرجال والنساء فيما عدا الأطفال بسبعمائة ألف نسمة.

 

أما معبد الآلة بوباستس ، فهو جدير بالوصف حقا ، وقد تكون المعابد الأخرى أكبر منه اتساعا ، وأعظم كلفة ، ولكن ليس بينها ما يساميه بهجة ورواء ، ومن يتأمله يسر قلبه وتقر عيناه بإشراق حسنه وبهائه وجمال روائه ، وإنه يترك فى النفس أثراً عظيما لتناسق أجزائه وإحكام وضعه .

 

وتحف به من الخارج قناتان تتصل كل منهما بالنيل وتضمانه بينهما فيصبح المعبد كأنه جزيرة ، وعرض كل قناة مائة قدم ، وهناك أشجار باسقة تظلهما وتضفى على هذه البقعة جمالا وروعة .

ويقع بين القنانين عمر ضيق يؤدى إلى المعبد الذى يصل مدخله الرئيسي إلى ارتفاع ستين قدما ويزدان بنقوش جميلة محفورة في الحجر.

وهذا المعبد يتوسط المدينة التي ترى مطلة عليه، لأن تقدم الزمن جعلها ترتفع شيئا فشيئا لإقامة المساكن الجديدة على أنقاض المباني القديمة، فهى لذلك فارعة والمعبد مفترع ، وإنك لتراه من كل جانب أينما توجهت في أرجاء المدينة

.
وقد غرست الأشجار حول السور الخارجى للمعبد وغدت تحف بالمحراب الذي تظله الرهبة والجلال لأنه يضم تمثال المعبودة بوباستس .

وكان الطريق المؤدى إلى المعبد يمتد مسافة ثلاثة فراسخ ويتصل في نهايته بسوق المدينة في اتجاه شرق ،وإنه ليبلغ أربعمائة قدم فى العرض ، وقد رصفت رقعته بالأحجار وغرست على جانيه أشجار مرتفعة تظلله وتكسبه, غضارة ونضارة.

ذلك ماجاء في وصف هيرودوت لمدينة تل بسطة ومعبدها القديم، وقد أثبتت الأيام صحة قوله فيما وصل إلينا من أعمال الحفر فى تلك الجهة.

وإن هذا الوصف ليدل على ما كان للمدينة من أهمية ويثبت قيام عبادة القطة فيها .


هذا إلى أن هيرودوت يحدثنا أيضا عن الأهمية التجارية التي كانت لتلك المدينة، فقد ذكر أن "الملك نيكاوه" الثاني ( ٦٠٩ - ٥٩٤ ق م ) جعل عندها بداية القناة الواصلة بين النيل والبحر الأحمر وحدثنا أيضا أن هذه القناة كانت تقطعها السفن الشراعية فى أربعة أيام، وكان يقوم بحفرها عدد كبير من العمال الذين فني منهم مائة وعشرون ألفا، وقد توقف" نيكاو " أخيراً عن إنجاز مشروعه الضخم عندما حذره المتنبئون من الكهنة بأن الدابرة سيجنون ثمار كده ونصبه ، وحدث بعد ذلك أن حققت النبوءة فأتم دارا ملك الفرس حفر القناة و ازدهرت التجارة من جراء ذلك بين الشرق وتل بسطة ([1]).

 

 



کنوز تل بسطة :

ولما كان العمال في عام ١٩٠٦م ينقلون الأتربة من هذا التل الذى يقى من أنقاض المدينة القديمة لاستعمالها في مد الخطوط الحديدية ظهر كنز هام من الحلى الذهبية التي يحتفظ بها المتحف المصرى الآن ( رقم ٤٢١٠ - ٤٢١٨ ) ومن بينها أساور جميلة من الذهب للملك رمسيس الثانى وكأس ذهبية بهيئة زهرة اللوتس وآنية من الذهب والفضة على جانب عظيم من الجمال والدقة، وكان كثير من هذه الحلى ما يستعمل في التجارة ، وإنها لتدل في مجموعها على تقدم الذوق والصناعة، وهى أجمل ما بقى لنا من ذكرى تل بسطة .


محمود درویشی
مفتش النقابة العامة

المصدر

من كتاب الشرقية وسيناء بحث تنشره منطقة الزقازيق التعيمية (1368 هجرية -1949م) ص من 168 الى 169

 



[1] (eorge Rawlinson, The History of Herodotus, Vol. 1

pp .

انظر143,185,196

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق