الشرقية
فى عهد الفرس واليونان والرومان
الشرقية فى عهد الفرس
كاد المؤرخون
يجمعون على الشرقية في عهود الفرس واليونان والرومان أن الفرس لمصر يرجع إلى سببين
:
أولا : أن
أمازيس الثانى (11 (Amasis ملك مصر : في الأسرة السادسة والعشرين تحالف مع كروسيس (Croesus) ملك ليديا الذي كان
العدو اللدود والخصم العنيد لقمبيز (Cambyses) ملك الفرس .
ثانيا : كان
قمبيز يعتبر مصر ولاية من الأمبراطورية البابلية التي سبق أن فتحها أبوه قورش (Cyrus) . ا
نتصر قمبيز
ودخلت جنوده منف ظافرة بعد اجتيازها الجزء الذي تحتله مديرية الشرقية الآن، وقد
ذبح قمبيز نحو الألفين من المصريين وكان يريد الانتقام من أمازيس ولكنه كان قد مات
قبل أن يتم لقميز فتح مصر. فأخذه إبسماتيك الثالث ، أسيراً وأمر بإخراج جثة،
أمازيس ، ومثل بها أبشع تمثيل وأمر بخلع رأسه . ولما كانت الجثة محنطة واستعصى
عليه التمثيل بها أمر بإحراقها .
ثم إن قمبيز
احتقر معبودات قدماء المصريين وذبح كثيراً من الكهنة . وبينما كان المصريون
يحتفلون بتكريم عجل أبيس ، أمر بإحضاره
وطعنه في فخذه طعنة نجلاء قضت على حياته بعد أن أصابت منه مقتلا ومن غريب الأمر أن
قمبيز عند عودته إلى بلاده سقط من فوق جواده على سيفه الذي أصابه إصابة بالغة في
فخذه أيضا ففاضت على أثرها روحه الخبيثة .
خلف دارا الأول قمبيز فعمل ما في وسعه لإزالة
سوء الأثر الذى تركه قمبيز في نفوس المصريين بأن سمی نفسه " ابن رع" معبود المصريين فى ذلك الوقت. واحترم
ديانة المصريين وقدم إليها القرابين وأنشأ مدرسة للكهنة.
وأهم عمل حيوى جليل قام به الفرس فى مصر وكان له
أثر بالغ فى حياة مصر الاقتصادية بوجه عام وبخاصة مديرية الشرقية، أن دارا الأول
أعاد حفر قناة سيزوستريس ) بين النيل والبحر الأحمر ) التي كانت تستمد ماءها من
النيل قرب مدينة بوباست ( تل بسطة ) ومكانها الآن الزقازيق عاصمة الشرقية . وكانت
هذه الترعة تخترق وادى طميلات، وتخترق ترعة الإسماعيلية بعض أجزائها الآن. ويمكن تتبع مجرى
هذه الفناة الآن في وادى طميلات بما وضعه دارا من شواخص حجرية (Stelae) تخليداً لذكرى هذا
المشروع الجليل الذى كان يبغى من ورائه مصلحة مصر الاقتصادية وتنشيط حالتها
التجارية .
وكان على كل
شاخص حجرى صورة دارا وألقابه الفخمة وهى" الملك العظيم ، ملك الملوك ، وملك شعوب
الأرض طرا " ووجد على شاخص منها شمال السويس العبارة الآتية " إن الإله
العظيم أرموزدا (إله الخير عند الفرس) هو الذى خلق الأرض والسماء العليا والإنسان
الذى خصه بالسعادة والبركات وجعل دارا ملكا وأنعم عليه بالسلطان الواسع والنفوذ العظيم لأنه الرجل العظيم ذو
الثروة الطائلة في الخيل والرجال. ثم بعد ذلك يقول دارا ، أنا فارسى وبمعونة الفرس
امتلكت مصر وإنى أمرت بحفر هذه القناة من النيل إلى البحر الأحمر الموصل إلى الفرس
وحفر هذه القناة إنما هو بإرادتى ومشيئتي ".
ويقال إن دارا
أمر بردم نصف هذه القناة لأن المهندسين الفارسيين أوجسوا خيفة من فيضان ماه البحر
الأحمر على مصر لأنهم ظنوا خطأ أن مستوى البحر الأحمر أكثر ارتفاعا من مستوى مصر.
وهذا شبيه بالخطأ الفاحش الذى وقع فيه هندسو الحملة الفرنسية .
وعلى الرغم ما
كانت تنعم به مصر من الرغد والرخاء في عهد دارا كان المصريون يتحينون الفرص لتحريربلادهم
. وانتهز المصريون فرصة اشتباك الفرس واليونان فى حرب ضروس، واضطرارهم إلى سحب جيشهم من مصر ، وهبوا على بكرة أبيهم وثاروا بزعامة أحد أمراء بوباست (Bubastis) المدعو خايشا (Khabbesha) ( محبوب رع ) وكان حاكما
لولاية شرق الدلتا من قبل دارا .
وأعلن خابشا
نفسه ملكا على مصر . وكان أهم عمل قام به أن مسح أراضى شرق الدلتا وحصن الشواطي المصرية
بأن وضع حواجز وسدودا في المستنقعات القريبة من مصبات النيل حتى تحول دون دخول سفن
الأعداء إلى داخل البلاد، ولكن لسوء الحظ تمكن أجزر تسيس خليفة دارا من استرداد
مصر.
ثانياً :الشرقية في عهد اليونانيين
يرجع عهدهم فى
مصر إلى أيام بسماتيك الأول منقذ مصر من الأشوريين ومؤسس الأسرة السادسة والعشرين
وعصر النهضة فى تاريخ مصر القديم .
وكان بسماتيك
أميراً تنبأ له أحد الكهنة بملك مصر بمعونة جنود من البرنز وتحققت هذه النبوءة بأن
ألقت عاصفة هو جاء في البحر الأبيض ببضع سفن عليها بحارة يونانيون أشداء مسلحون
بأسلحة حادة من بسماتيك الأول واستأجرهم وكون منهم جيشا منظما استعان به في التغلب
على سائر البرنز وتحالف الأمراء والفوز بعرش مصر .
وقد حصن بسماتيك
حدود مصر شرق الدلتا وغربها وعند أسوان بوضع حاميات من الجنود اليونانيين وكان
مركز حامية شرق الدلتا في مدينة دفنة (Daphne) قرب القنطرة على حدود
مصر الشمالية الشرقية لصد غارات الشعوب الأسيوية .
لما فتح
الإسكندر المقدونى مصر رحب به المصريون عند بلوزة (Pelusium) ، وذلك :
أولا : لأن
المصريين كانوا يبغضون الفرس ويضمرون لهم العداء لما لاقوا منهم من صنوف الذل وألوان
الظلم والاستبداد .
ثانياً :
لاعتقادهم أن الإسكندر المقدونى كان ملكا شرعيا يجرى في عروقه الدم المصرى كما
أخبرهم بذلك كهنة الإله آمون الذين كانوا يروجون أسطورة خلاصتها أن الملك نكتنيباس
الثاني (11 Nectanebus) ملكمصر
عند غزو الفرس والذى فر منهم إلى الحبشة ثم اليونان وكان منجما ساحراً
وعرافا ماهرا تنبأ للملكة مصر أولمبياس زوجة فيليب والد الإسكندر أن الإله آمون سيقضى معها
ليلة وتنجب منه مولوداً ذكرا يكون له شأن عظيم في العالم . وقضى معها نكتنيباس
ليلة حملت عقبها في الإسكندر المقدوني.
ولما استتب الأمر فى مصر للإسكندر ومكث بها
خمسة أشهر وضع نظاما جديداً لحكمها وعين حكاما للأقاليم
من قبله وكان من بين القواد الذين عينهم في شرق الدلتا بولمون (Polmon) على ولاية بلوزة (Pelusium)
وكليو مينز
(Cleomenes) أحد يونانى نقراطيس على ولاية هيرو بوليس (Heroopolis) بين الاسماعيلية
والقنطرة وغيرهما ، ولقد ناط بهم إدارة الأقاليم وجمع الضرائب له.
بعد وفاة
الإسكندر كانت مصر من نصيب أحد قواده بطليموس الأول الذي فاز بنقل جثة الإسكندر
إلى منف ثم نقلت فيما بعد إلى الإسكندرية الأمر
الذى أثار سخط برديكاس الوصى على عرش الإسكندر الصغير نجل الإسكندر الأكبر علاوة على استقلال بطليموس بملك مصر فصمم
برديكاس على غزوها
وجرد
جيشا عظيما استخدم فيه كثيراً من الفيلة الضخمة وتحصن برديكاس عند ميناء بلوزة
وحفر الخنادق ولكن الفيضان
أغرقها ، ولما أراد برديكاس أن يعبر بجنوده الفرع البلوزى للدلتا غرق أ ألفان من
جنوده وأكلت التماسيح ألفا وتمرد الآخرون
عليه وقتلوه .
أما بطليموس الثاني
فقد أعاد حفر قناة سيزوستريس التي ساعدت كثيراً على رواج التجارة وانتشارها وهي
كما سبق أن ذكرنا تخترق وادى طميلات بالشرقية وتبتدى من النيل عند بو باستة إلى
كلز ما (Clysma) على البحر الأحمر.
ولقد دفن كثير من اليونانيين والبطالسة بمدينة دفنة (Daphne) بين الاسماعيلية والقنطرة، وفى سنة مائة وخمسين قبل الميلاد أذن بطليموس السابع أونياس (Onias) حاخام اليهود بفلسطين ببناء مدينة (Onien) أونيون ( مكانها الآن تل اليهودية ) قرب شبين القناطر لتكون مصراً لليهود ،
وبنى بها معبداً كبيراً
. وذلك
لاضطهاد انتيوكوس
(Antiochus) ملك سوريا خصم بطليموس العنيد لليهود فاستمالهم بطليموس إليه بهذه الطريقة .
الشرقية في عهد الرومان
بقدر ما كانت أحوال مصر مستقرة والرخاء شاملا
والهدو. سائداً في عهد البطالسة بقدر ما اضطربت الأحوال وسادت الفتن وعمت الفوضى فى عهد الرومان وكلنا
يعلم أن مصر كانت في عهدهم بمثابة مخزن للغلال .
أبقى الرومان نظام الحكم فى مصر كما كان عليه فى عهد
اليونان واستمر حكام الأقاليم يساعدون الحكومة المركزية في الإسكندرية والمرجع الأعلى هو الوالى
الرومانى الذى يساعده في الحكم ثلاثة من كبار الموظفين يمثلون مصر العليا والوسطى
والسفلى.
وعلى الرغم من استحكام الفوضى واضطهاد المسيحيين
الأبرياء أعاد الأمبراطور تراجان الروماني فتح قناة سيزوستريس التي لعبت دوراً هاماً في تجارة مصر
وكانت عاملا قوياً فى رواجها وجعل الشرقية بحق ميداناً للنشاط الاقتصادي في مصر ، ولقد بلغ عرض هذه القناة في
عهد تراجان مائة وخمسين قدماً .
وظلت مصر في نزاع مستمر وخلاف مستحكم بين المذاهب
المسيحية المختلفة حتى تمكن الفرس من استردادها سنة ستمائة وتسع عشرة ، ثم استردها الرومان
ومكثوا بها حتى فتحها العرب سنة ستمائة وأربعين بقيادة عمرو بن العاص . ولقد تأثرت الشرقية كثيراً بالفتح العربي، بل كانت
أكثر المديريات تأثراً به بالنسبة لموقعها
الجغرافى. وأترك الكلام بالتفصيل على هذا الأثر لأحد حضرات الأساتذة الباحثين
.
محمد عبد
الرحمن قمحاوى
HANOTAUX: Histoire de la Nation Egyptienne..
BUDGE: books on Egypt and Caldaea, Vol. XIV. XV. XVI.
BRESTEAD :A History of Egypt.
AALLET :Histoire Romaine.
ومراجع عربية مختلفة .
المصدر
من كتاب الشرقية
وسيناء بحث تنشره منطقة الزقازيق التعيمية (1368 هجرية -1949م) ص من 155 الى 158
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق