الثلاثاء، 29 أبريل 2025

حاتم الطائي من الشرقية !!

 

حاتم الطائي من الشرقية !!

أما الكرم فهو أخو الشجاعة، رضعا معا لبن الفضيلة وترفعا عن صفات الرذيلة وتطلعا إلى النبل وضمنا لأهلها السؤدد والشرف الرفيع. فالكرم كان وسيلة أبناء الشرقية للحفاوة بالوفود العربية خاصة وأنه قد ورد في معاهدة الصلح غداة فتح مصر عددا  من الشروط كان من بينها ما نصه: «على أن للمسلمين عليهم النزل بجماعتهم حيث نزلوا ومن نزل عليهم ضيف واحد من المسلمين أو أكثر من ذلك كانت لهم ضيافة ثلاثة أيام مفترضة عليهم." ([1])

 وكانوا من أشرف بيوتات العرب والذين رأوا في الشرقية بيئة جيدة لارتباع خيولهم وإبلهم في فصل الربيع وذلك لما كانت تتمتع به الشرقية من الخصب والمراعي الجيدة والمساحات الشاسعة إلى جانب متاخمتها من الشرق للصحراء حيث كان يتهيأ للعرب الصيد وتأديب خيولهم وتدريبها مع الإقامة في جو قريب من جو البادية التي ما يزال الحنين الشديد يجذب قلوبهم إليها ([2]).

وفشو الكرم في الشرقية حبب إلى العرب مصاهرتهم ومجاورتهم مثل قبيلة طئ التي صارت مضرب الأمثال الشعبية في الكرم وخاصة حاتم الطائي الذي صار الكرم مرتبطا باسمه فقيل الكرم الحاتمي. وقد استقرت قبيلة طئ في أطراف الشرقية وعلى حدودها وعلى طول الحافة الرملية في شمال سيناء وفي دمياط  وما حولها وفي ناحية بني شبل (مركز الزقازيق ومنزل حيان (مركز (ههيا والمعينة (الهجارسة - مركز كفر صقر شرقية) ([3]).

فضلا عما كان لقبيلة جذام أقطاعات في الشرقية منها هربيط وتل بسطة ونوب وغيرها، ولهذا السبب على ما يبدو اشتهرت العديد من مناطق الشرقية .التي استقرت فيها بطون قبيلة جذام بالكرم الشديد من تلك المناطق بلدتي الجواشنة (مركز (ههيا والجواشنة (مركز (السنبلاوين نسبة إلى بطن الجواشنة وهم بنو جوش بن منظور بن بعجة المضروب به المثل في الكرم والشجاعة ).([4])

ولدينا أسر كثيرة هوت إلى هوة الفقر في الشرقية من جراء ذلك ولكن بيوتها المجيدة لا تزال تنطق بالفخار لتلك الأسر العريقة في الكرم والوفاء حيث آثروا غيرهم بالثراء الذي حققوه حيث نشب الغلاء وحدث الجدب والقحط في مصر أيام الشدة المستنصرية فهب طريف بن مكنون أحد أبناء قبيلة جذام بالشرقية يمد الموائد في مضيفته لتتسع لاثني عشر ألفا يأكلون عنده كل يوم حتى اضطر إلى أن يهشم الثريد في المراكب وتحمل اللحم والثريد عبر الخلجان والترع لتسد حاجة الجوع ولم يتوقف الكرم النابع من الشرقية عند هذا الحد بل إن مهنا بن علوان وهو من بني بعجة الذين استقروا بالشرقية حين طرقه الضيوف في فصل الشتاء ولم يجد حطبًا يوقده ليدفئ ضيوفه ويصنع لهم الطعام فاستخدم أحمال من أعواد  القمح بمحصولها (بثمارها) فجعلها وقودًا محتذيا في ذلك بما فعله حاتم الطائي حين نزل به ضيوف ولم يجد ما يسد رمقهم به سوى حصانه الوحيد فذبحه لهم واستحق بذلك أن يعد مثلا للكرماء والكرم الحاتمي.([5])



[1] ابن عبد الحكم فتوح مصر، المكتبة الثقافية الدينية، القاهرة، ١٩٩٩م، ص ١٥٢و٧٠.

[2] أحمد شحاته: الحوف الشرقي، ص ١٣٥.

[3]  المرجع السابق، ص ٤٢٣.

[4] القلقشندي: صبح الأعشى، ج۱، ص۳۳۴، وانظر: أحمد شحاته: مرجع سابق.

[5] عمرو عبد العزيز منيرة الشرقية بين التاريخ والفولكلور، دار الإسلام للنشر، المنصورة، ٢٠٠٤م،

ص ١٦٦.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق