شرق الدلتا في الكتب المقدسة
جعلت
الظروف الطبيعية من إقليم شرق الدلتا أهم المنافذ التى تطل منها مصر على العالم الخارجي
، فمع أن مصر تتوسط القارات الثلاث القديمة : أوربا
، وآسيا ، وأفريقيا، إلا أن البحر كان حاجزاً قوياً بينها وبين أوربا
في العصور القديمة التي كانت فيها وسائل الملاحة بدائية
. كما كانت الصحراء حاجزا فعالا بينها وبين أفريقيا
الغربية، وأما السبل بين مصر وآسيا فكانت ميسرة لقصرها وقلة مشقتها ، ولذلك كان بعض
الكتاب الذين كتبوا قبل ميلاد المسيح عليه السلام
يعتبرون مصر جزءاً من القارة الأسيوية .
ولقد
كانت المواصلات بين وادى النيل وساحل البحر الأحمر عبر الصحراء الشرقية عظيمة المشقة
كثيرة الأخطار بسبب وعورة الطرق وخلوها من الماء.
هذا فضلا عن أن المسافر لا يجد بعد وصوله إلى ساحل البحر الأخر إلا بيئة أسوأ حالا
من الصحراء التي سلكها ، ثم إذا كانت وجهته آسيا يجد نفسه مضطرا إلى عبور
بحر خطر يؤدي به إلى صحراء مرة أخرى، فلهذا كان إقليم شرق الدلتا أيسر السبل للربط
بين مصر وآسيا، فالتقت بهذا الإقليم الطرق المائية والبرية وتجمع في مدنه وموانيه المسافرون
من جميع الشعوب .
ولقد
كانت هناك عدة طرق مائية تربط مصر بحدودها الشرقية عبر شرق الدلتا فكانت هناك فروع
النيل
الطبيعية
التى بلغ عددها خمسة في هذا الإقليم وحده هي من الغرب إلى الشرق كما يأتي : -
(1)
الفرع البوصيري
(٢)
الفرع المنديسى
(٣)
الفرع البوبسطى ( الثانيتى ) .
(4)
الفرع البليوزي.
(ه)
فرع الطميلات .
ولم
يكتف حكام مصر منذ عصر الفراعنة بهذه الفروع الطبيعية بل شقوا القنوات التي تربط بين
المدن الرئيسية بشرق الدلتا وبين الموانى البحيرية
والبحرية بهذا الإقليم ، وهذه القنوات هي :
(1)
قناة وادي الطيلات
(۲) قناة القنطرة .
(۲) قناة البحرين.
وأما عن الطرق البرية
فكانت تنقسم الى مجموعتين
(1) مجموعة تصل مصر بشبه
جزيرة العرب
(2) مجموعة تصل مصر
بفلسطين وسوريا .
وهكذا ترى الظروف الطبيعية قد يسرت اتصال مصر -
عن طريق شرق الدلتا - بغرب آسيا
مهبط الوحى ومركز النبوة ، ولهذا أقام في هذا الإقليم عدد كبير من أنبياء الله
ورسله ، فارتبط تاريخهم بتاريخه وكما تروى لنا النصوص المصرية القديمة، وكا نقص
علينا الكتب المقدسة.
وقد شاءت حكمة الله أن يختص برسالاته رجالا من
القبائل الرحل التي كانت تتجول في غرب آسيا باحثة عن المرعى والكلا لكي تطعم قطعانها التى عليها تتوقف
حياتهم، وكثيرا ما كانت هذه الجهات الغربية من آسيا تتعرض للجدب والفقر بسبب قلة المطر، فلم يكن هناك بد من أن تلجأ هذه القبائل إلى وادى النيل الخصيب
تطلب الغوث والعون وإلا هلكت هي وقطعانها جوعا وعطشا.
ولكن برزخ السويس كان معتبرا الحد الذى لا يسمح
بعده. لهذه القبائل بالتوغل في شرق الدلنا إلا بإذن من فرعون . وكانت تقوم من أجل ذلك
على أطراف هذا الإقليم الحصون القوية لحماية مدخل البلاد ضد غزوات هذه الشعوب الأسيوية، وكانت هذه الحصون تعج
بالجنود التي تسميهم النصوص المصرية بالمحاربين
وكان يرأسهم قائد يتمتع بسلطة عظيمة في أرض ، يابت ( اسم شرق الدلتا في النصوص
المصرية) فتخضع لهذا القائد شئون الإقليم الحربية والمدنية والدينية ويحدثنا أحد
حراس الحدود الذين كانوا مرابطين عند
المدخل الشرق لوادي الطميلات في إحدى البرديات المصرية بقوله سمح للقبائل البدوية
القادمة من أدوم
(فلسطين) باجتياز
حصن مرنبتاح التابع لمدينة تكو ( بالقرب من الإسماعيلية الحالية ) لكي يطعموا أنفسهم وقطعانهم.
وإذا تركنا النصوص المصرية ونظرنا في الكتب المقدسة
تحدها تتفق مع النصوص المصرية في ذكرالسبب الذي من أجله يدخل البدو إقليم شرق
الدلتا ، فقد جاء في التوراة في سفر التكوين الإصحاح الثاني عشر الآية العاشرة ما يأتي " وحدث
جوع في الأرض فإنحدر
إبرام ( إبراهيم عليه السلام ) إلى مصر ليتغرب هناك لأن الجوع في الأرض كان شديدا ، ثم
تسرد التوراة بقية قصة إبراهيم فنقول في الآيات ١٤ و ١٥ و ١٩من نفس الإصحاح ما
يأتى " فحدث لما دخل إبرام إلى مصر أن المصريين رأوا المرأة ( سارة ) أنها
حسنة جدا
ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون فأخذت المرأة
إلى بيت فرعون فصنع إلى إبرام خيرا بسبها وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال ، ثم
يغضب الرب على فرعون لأخذه سارة فيعيدها إلى إبراهيم
معززة مكرمة بل يهديه هاجر لتكون جارية لها . ومع أن هذه الآيات لا تنص صراحة على
إقامة إبراهيم عليه السلام بشرق الدلتا إلا
أن ما سبق أن ذكرناه من أن شرق الدلتا كان المدخل الشرقي لمصر يجعلنا ترجح أن هذا الإقليم كان المسرح الذي دارت عليه
قصة إبراهيم وأن ما منحه من أرض وقطعان كان
المسرح الذي دارت عليه قصة إبراهيم وأن ما منحه من أرض وقطعان كان بهذا الإقليم
الذي هو أقرب أجزاء مصر لموطنه الأصلى، ثم
لم يلبث إبراهيم أن غادر شرق الدلتا إلى كنعان ( فلسطين ) كما تروى الأيتان
الأولى والثانية عشرة من الإصحاح الثالث عشر "
فصعد إبرام من مصر وهو وامرأته وكل ما كان له... سكن إبرام كنعان."
مثل هذا يقال عن قصة يوسف عليه السلام ، غير أن هذه
القصة تمتاز بأن التوراة تنص صراحة على أن حوادثها
حدثت في إقليم شرق الدلنا. إذ تروى القصة أنه لما ارتحل سيدنا يعقوب وأبناؤه من كنعان
إلى مصرأقاموا في أرض جاشان بمديرية الشرقية الحالية وانتشروا بين الإسماعيلية
وفاقوس وأبى حماد وبلبيس والزقازيق . فقد جاء في الإصحاح السابع والأربعين من سفر
التكوين الآيتان الأولى والثانية " فأتى يوسف وأخبر فرعون وقال أبي وإخوتى
وغنمهم وبقرهم وكل مالهم جاءوا من أرض كنعان وهو ذا هم فى أرض جاشان ، فكان رد فرعون على يوسف كما جاء فى الآيتين
الخامسة والسادسة من نفس الإصحاح . فكلم فرعون
يوسف قائلا : أبوك وإخوتك جاءوا إليك ، أرض مصر قدامك فى أفضل الأرض أسكن أباك
وإخوتك ، ليكنوا فى أرض جاشان "
وهكذا تبدأ قصة اليهود في مصر بسكنى يعقوب (إسرائيل)
وعائلته في أرض جاشان إلى أن يخرجوا منها بقيادة نبي الله موسى .
واليم الذي ألقى فيه الرضيع موسى عليه السلام كان أحد فروع النيل التي تجرى في شرق
الدلتا وتمر أمام قصر فرعون الذى كان يقوم
فى صان الحجر بمركز فاقوس . ويرجح أن هذا الرضيع عليه السلام ألقى فى ترعة السماعنة أو في ترعة بحر البقر اللذين
تجريان من فاقوس إلى صان الحجر الحالية (تانيس القديمة) فقد جاء في الإصحاح الثانى
من سفر الخروج الآيات من ٣ إلى ٦ ما يأتى"
أخذت ( أم موسى ) له سفطا من البردى وطلته
بالحمر والزفت ووضعت الولد فيه ووضعته بين الحلفاء على حافة النهر ووقفت أخته من
بعيد
لتعرف ماذا يفعل به، فنزلت ابنة فرعون إلى النهر
لتغتسل . . . فرأت السفط بين الحلفاء فأرسلت أمتها وأخذته " . ولقد قال تعالى في
سورة طه الآيات من ٢٧ إلى ٤٠ " إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه فى اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لى وعدو له
وألقيت عليك محبة منى ولتصنع على عينى إذ تمشى أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله
فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن" .إلى آخر الآية، وكذلك قال تعالى في سورة القصص الآية
السادسة، وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ...
إلى آخر الآية. كما ورد في الآية السابعة من نفس السورة ، فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا . ... إلى آخر الآية.
ويستدل من الآيات السابقة في التوراة والقرآن أن
عائلة موسى عليه السلام كانت تقيم بالقرب
من قصرالملك في المقر الملكي الذى تدل النصوص المصرية على أنه كان فى شرق الدلتا
في ذلك الوقت وإن كان المؤرخون يختلفون فى موضعه بالضبط ، فبعضهم يضع المقر
الملكي فى صان الحجر بمركز فاقوس ، وبعضهم يضعه في قنتير بالقرب من صان الحجر
وآخرون يضعونه في بلدة القنطرة الحالية ، ولعل أرجح الآراء أن المقر الملكى كان فى صان الحجر لكثرة ما كشف فى هذه
المدينة من آثار تليق بعاصمة كبرى. وسواء كان المقر الملكي في هذه المدينة أم تلك
، وسواء أكان بيت سيدنا موسى فى هذه المدينة أم تلك فإن هذا لن يغير من القول بأن هذا النبي ولد في شرق الدلتا وترعرع فى هذا
الإقليم وتزعم اليهود فيه وجرت له فيه الحوادث التي ترويها الكتب المقدسة : وقد انتهت هذه الحوادث بخروج موسى على رأس
اليهود من شرق الدلتا قاصدا فلسطين
.
نما عدد اليهود بشرق الدلتا في الفترة ما بين عهد
يوسف وموسى عليهما السلام حتى أحس الفراعنة خطرا من تكاثر عددهم فأخذوا في
اضطهادهم وتعذيبهم لاسيما وأن العهد قد بعد بأيام يوسف وما صنعه لمصر بحكمته وتدبيره. وكان من ضمن أعمال
الاضطهاد هذه أن سخر فرعون الإسرائيليين لبناء عدد من المدن الكبيرة في شرق الدلتا منها صان الحجر الحالية ( تأنيس القديمة )
والقنطرة الحالية ( زاوو القديمة ) وتل المسخوطة
الحالية (بر أثوم القديمة ) وفى ذلك تقول التوراة في
سفر الخروج الإصحاح الأول الآية الحادية عشرة " (فجعل المصريون) عليهم رؤساء
تسخير لكى يذلوهم بأثقالهم . فبنوا لفرعون مديني مخازن بيثوم ( برأثوم وهى تل
المسخوطة الحالى ) ورعمسيس . . . واستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف .
لم يعد فرعون راغبا في أن يظل اليهود في ضيافته
فاضطهدهم فكان لابد لهم من مغادرة البلاد. فجرت قصة الخروج المشهورة التى تروى الكتب
المقدسة وقائعها بالتفصيل وبرغم أن
الإسرائيليين كانوا يعيشون في شرق الدلتا - أقرب أجزاء مصر إلى كنعان - إلا أن
ظروف خروجهم من مصر ومطاردة فرعون لهم جعلت رحيلهم
محفوفا بكثير من المخاطر ، فكان لا بد لهم من اجتياز برزخ السويس حيث كانت
البحيرات تمتد على طوله من ساحل البحر الأبيض حتى رأس خليج السويس إلا في نقط
يابسة قليلة كانت تقوم فيها الحصون القوية لمراقبة هذه النقط التي تعتبر مداخل
البلاد ومخارجها الخالية من الموانع
الطبيعية ، وعلى هذا لم يكن أمام اليهود إلا أحد أمرين : إما أن يجتازوا حدود
مصر الشرقية عن طريق يابس حيث يتعرضون للجنود
المرابطين فى الحصون ، وإما أن يجتازوا إحدى
المسطحات المائية الممتدة على طول البرزخ حيث يكونون
في مأمن من جنود فرعون : لأن الفراعنة كانوا يعتبرون هذه المسطحات المائية موانع
طبيعية تعوق الغزاة من تلقاء نفسها ، ولا تمكنهم من اختراق الحدود المصرية عبرها ، ومن ثم لانحتاج إلى جنود لحراستها .
غادر الإسرائيليون المقر الملكي، فوصلوا تل المسخوطة
فى نفس اليوم ، وهنا كان التعب قد أخذ منهم مبلغه فاستراحوا فترة قصيرة استأنفوا
السير بعدها إلى صحراء إثام ( صحراء شور ) التي كانت تحد إقليم شرق الدلتا من الشرق، وكانت من الاتساع والغنى النسبي بحيث
تكفى الإسرائيليين وقطعانهم إلا أنها كانت مزودة
بالقلاع والحصون يرابط بها جنود أشداء على استعداد للضرب على يدكل من يحاول دخول
مصر أوالخروج منها بدون إذن من فرعون . ولقد حاول العبرانيون اجتياز هذه الصحراء
دون أن يراهم الحراس فلما لم يستطيعوا عادوا إلى شرق الدلتا ، وبحثوا على طول
منطقة البرزخ بين البحرين الأبيض والأحمر عن
نقطة يابسة يكون حراسها في غفلة فلم يجدوا ، وهنا
طرأت على موسى عليه السلام فكرة اجتياز إحدى المسطحات المائية للوصول إلى شرق
البرزخ لأن هذه المسطحات المائية كما قلنا كانت بغير حراسة ، حدثت معجزة شق البحر التي ترويها الكتب
المقدسة .
ولقد قال تعالى في سورة طه الآيتين السابعة والسبعين
والثامنة والسبعين : " ولقد
أوحينا إلى موسى أن أمر بعبادي قاضرب لهم طريقا في البحر يبسا . لاتخاف
دركا ولا نخشى ، فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ماغشهم . "
'
'فالقرآن الكريم في الايتين السابقتين يستعمل للسطح المائي الذي عبره
الإسرائيليون لفظى بحر ويم ... فغشيهم من اليم..... و لفظا بحر ويم في اللغة العربية تدلان على أى
مسطح
فاضرب لهم طريقا فى البحر ماني عذبا كان أو مالحا ، ولقد استعمل
القرآن الكريم لفظ ، يم، الدلالة على أحد فروع النبيل العذبة التي تجرى في شرق
الدلتا . فقال تعالى في سورة القصص الآية الساديعة : "فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ".
وكذلك استعمل القرآن الكريم لفظ بحر للدلالة على أى مسطح مائى عذبا أو
مالحا : فقال تعالى في سورة الفرقان الآية الثانية والخمسين : " وهو الذى مرج
البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج " إلى آخر الآية ، ومعنى هذا أن البحر
الذي عبره الإسرائيليون. وحدثت فيه معجزة الخروج قد يكون بحراً مالحا ،
وقد يكون بحراً عذبا، وقد يكون بين هذا وذاك : فإذا ما تركنا القرآن ،
ونظرنا في التوراة في سفري العدد والخروج، وفى مزامير داود نجد أن اليم الذي شق
للإسرائيليين يوصف بأنه كثير الغاب ، ويستخدم له في اللغة العبرانية التعبير "يم
سوف " ومعناه يم الغاب أو بحر الغاب ، وتدل الظروف الجغرافية والتاريخية على أن
العبرانيين لم يصلوا فلسطين عن طريق شمال شبه جزيرة سينا، ويتبع هذا أن نقول إن
البحر الذي اجتازوه لم يكن الطرف الجنوبي لبحيرة المنزلة ولا الطرف الشمالي لبحيرة
البلاح، وهما الطرفان اللذان يؤديان إلى الطريق
الشمالي المسمى بطريق الفلسطينيين ، كما أن بعد المسافة بين المكان
الذى خرج منه الإسرائيليون بشرق الدلتا و بين الطرف الشمالي للبحر الأحمر لا يسمح
بالقول بأن البحر الأحمر هو الذي شق الإسرائيليين لأن الإسرائيليين غادروا المقر
الملكى هاربين وفرعون فى أثرهم فهم محتاجون إلى عبور البرزخ والوصول إلى شبه جزيرة
سينا في أقصر مسافة ممكنة، وفي أقصر مدة مستطاعة ، وإلا لحق بهم فرعون وجنده ؛
ولهذا تستبعد أن يكونوا قد يمموا البحر الأحمر عند رأس خليج السويس والأرجح أن
يقال إن البحر الذي عبره الإسرائيليون هو المسطح المائي الواقع مباشرة في شرق أرض
جاشان التي خرجوا منها ، والتي كان معظمهم يعيش فيها ، وهذا المسطح المانى هو
بحيرة التمساح الحالية. ولعل في الكتب المقدسة من الآيات ما يؤيد هذا الرأي . فقد
قال تعالى في سورة الشعراء الآيات من ٥٩ إلى ٦٥: «فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى
الجمعان قال أصحاب موسى إنا المدركون . قال كلا إن معى ربي سيهدين . فأوحينا إلى
موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ، وأزلفنا ثم الآخرين
وأنجينا موسى ومن معه أجمعين . ثم أغرقنا
الآخرين " فالآية التاسعة والخمسون تدل على أن فرعون وجنوده
تعقبوا الإسرائيليين مشرقين أى ميممين جهة المشرق ، وهذا يتفق مع القول بأن
العبرانيين ساروا من صان الحجر ومما حولها ومن أرض جاشان في الاتجاه الشرقي،
فعبروا بحيرة التمساح التى انفلقت لهم، فحدثت معجزة الخروج ؛ ولقد كانت بحيرة
التمساح في ذلك الوقت ممتلئة بالغاب مما يجعل تعبير "يم سوف " منطبقا
عليها ومما يعزز القول بأن التوراة قصدت بتعبير "بحر سوف "بحيرة التمساح
ما جاء في سفر الخروج الإصحاح العاشر الآيات من ۱۲ إلى ۱۹ وهى كما يأتى, فمد موسى
عصاه على أرض مصر فجلب الرب على الأرض ريحا
شرقية كل ذلك النهار وكل الليل ، ولما كان الصباح حملت الريح الشرقية
الجراد ... وغطى وجه كل الأرض حتى أظلت الأرض وأكل جميع عشب الأرض ... فدعا فرعون
موسى وهارون مسرعا ، وقال أخطأت إلى الرب إلهكما وإليكما، والآن اصفحا عن خطيئتي
.. وصليا إلى الرب إلهكما ليرفع عنى هذا الموت .. فخرج موسى من لدن فرعون وصلى إلى
الرب ، فرد الرب ريحا غربة شديدة جدا فحملت الجراد و طرحته إلى بحر سوف ،
فالتوراة تقول إن الله لما غضب على فرعون سلط الرياح الشرقية فحملت
الجراد وألقته على حقول شرق الدلنا ، ولما رفع عنه الغضب سخر الرياح الغربية فحملت
الجراد من هذه الحقول وطرحته في بحر سوف فلا بد أن بحر سوف كان يقع شرق حقول
الدلتا مباشرة ، وهي الحقول التي تطلق عليها النصوص المصرية ونصوص التوراة اسم
حقول جعنث أو حقول صان، وهذا يتفق مع القول بأن بحر سوف الذي انفلق فعبره
الإسرائيليون هو بحيرة التمساح إذ هى التى تقع شرق حقول صان وشرق أرض جاشان .
بعد أن تمت معجزة الخروج وعبر الإسرائيليون بحر سوف لم يسلكوا الطريق
المباشر المؤدى إلى فلسطين ، وهو الطريق الشمالي الذي تسير فيه السكة الحديد في
الوقت الحالى رغم أن هذا الطريق هو أفضل طريق يسلكه المسافر يبغى الخروج من مصر
والوصول إلى فلسطين على وجه السرعة .
والسبب الذي من أجله لم يسلك العبرانيون هذا الطريق أنه طريق مطروق لا
يتناسب مع شعب هارب يريد أن يتسلل خلسة إلى فلسطين، لاسيما وأن فلسطين كانت تحت
الحكم المصرى في عصر الخروج يديرها عملاء فرعون وتحتلها جنوده ، وقد قالت التوراة
فى ذلك في سفر الخروج الإصحاح الثالث عشر الآيتان السابعة عشرة والثامنة عشرة . إن
الله لم يهدهم في طريق أرض الفلسطينيين فأدار الله الشعب في طريق برية "بحر
سوف" .
وبعد أن عبر الإسرائيليون البحر قضوا في صحراء سينا
ثلاثة أيام بلا ماء حتى وصلوا عيونا سموها عيون مارة لأنهم لم يستسيغوا ماءها
لمرارته ؛ ولقد جاء في الإصحاح الخامس عشر من سفر الخروج الآيتان الثانية والعشرون والثالثة والعشرون ما يأتى ثم ارتحل موسى
بإسرائيل من "بحر سوف " وخرجوا إلى برية شور ؛فساروا ثلاثة أيام في
البرية ، ولم يجدوا ماء فجاءوا إلى مارة ولم يقدروا أن يشربوا ماء من مارة لأنه مر
لذلك دعى اسمها مارة ، ويدل قضاء
الإسرائيليين ثلاثة أيام بلاماء على أنهم لم يسلكوا بعد عبور البحر إحدى الطرق المعروفة
التي كانت تصل مصر بغرب آسيا ، والتي كانت تتبع توزيع الآبار . ويظهر أن
الإسرائيليين بعد أن عبروا بحر سوف إلى
برية شور في شرقه انحدروا جنوبا حتى أصبحو بحذاء رأس خليج السويس، ثم اتجهوا
شرقا نحو العقبة مارين بالمكان المسمى نخل .
إذ أن هذا الطريق يتفق مع وصف التوراة للطريق الذي
سلكه العبرانيون ، فهو يمتاز بقلة عبور
الناس به بسبب صعوبته ؛ كما أنه فى المرحلة الأولى منه من السويس إلى نخل خال من الماء تماما ، ولهذا لم تكن القوافل تجتازه قبل
الإسلام إلا نادراً ، ولم يصبح مطروقا بكثرة إلا بعد الإسلام لأنه طريق مباشر إلى بلاد العرب ، ولذلك سمى
طريق الحجاج .
ولما كان القسم الأول من هذا الطريق بين السويس ونخل
خاليا من الماء فيمكن أن يقال إن هذا القسم هو الذي تجول فيه العبرانيون ثلاثة
أيام حتى وصلوا إلى نخل فوجدوا بها ماء ، وعلى هذا تكون نخل هي عيون مارة المذكورة فى التوراة ، والتى أحس العبرانيون
مرارتها بمقارنتها بمياه النيل العذبة التي فارقوها مضطرين ثم بعد نخل اتجه العبرانيون جنوبا إلى جبل سيناء بالطريق
المعتاد المؤدى من فلسطين إلى جبل سنت
كترين ولا بأس من ذلك فقد أصبحوا في مأمن من جنود فرعون.
وهكذا يعتبر إقليم شرق الدلتا من الأقاليم المقدسة
إذ عاش فيه أكثر من نبي وضمت تربته الطاهرة رفات بعضهم.
ابراهيم أحمد زرقانه
الأستاذ المساعد بكلية الآداب
جامعة فؤاد الأول
المصدر
من كتاب الشرقية وسيناء بحث تنشره منطقة الزقازيق التعيمية (1368
هجرية -1949م) ص من 189 الى 196
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق