الأربعاء، 30 أبريل 2025

مركز منية القمح لمحة عن الحياة الاجتماعية فيها

 

مركز منية القمح لمحة عن الحياة الاجتماعية فيها


الشرقية هى المديرية التي تأثرت أكثر من غيرها بمختلف أنواع الفتح منذ القدم حتى وقتنا هذا ، وذلك لأنها كانت دائما طريقا للغزو... ولو أن الباحث دقق النظر في الظواهر الاجتماعية المتباينة وأرجعها إلى أصولها لوجد أن لمختلف الغزاة منذ الهكسوس أيام الفراعنة حتى الفتح الانجليزى في أخريات القرن التاسع عشر آثاراً وإن خفى طابعها المباشر وظاهرها المميز إلا أن نتائجها العميقة ذات أصول وعروق ممتدة في الأصلاب، ولو أن الزمن قد أعمل فيها بالتحوير والتشكيل.


فبينما تجد أن سكان الجزء الشرقي من الشرقية أعراب أقحاح فى كل طباعهم ، تجد أن للأتراك أثرا ظاهرا في الجزء المتوسط منها : كما أن جزءها الغربي - وسكانه فلاحون - فلا تزال بعض معالم الحياة العامة للفراعنة بادية فيه تعلم أن الأعراب من سكان مركز بلبيس وبعض بلاد مركز الزقازيق وأبى حماد يتميزون بكل صفات العرب من سكان أى جزء من بلاد الشرق العربي مع اعتبار تباين المدينة والمناخ وفعل الزمن - ففيهم لا يزال الكثير من المداحين ، الذين يجوبون البلاد على ظهور خيولهم يمدحون أثرياءها لا بالشعر كما كان الحال أيام الولاة وأمراء المؤمنين ، ولكن بالزجل والموالى وإن كان لا يزال للشعر المنظوم بقية فى نفوسهم.


و معلوم لسكان هذا الجزء من الشرقية أن ( المداح ) أو ( المواوى ) كما يسمونه قد لا يشترى بقرة بدل بقرته
التي نفقت أو ذبحت لكنه يشترى حصانا بدل الذى هرم أو مات ولو اضطر إلى الاستدانة والاقتراض لا لشيء إلا لأنه لا بد وأن يعتلى صهوة جواد وهو يمدح المثرين من أرباب البيوت على النمط العربي القديم،وآخرون لا يمكن أن يعيش الواحد منهم من غير سلاح وإن استطاع الحياة أياما من غير طعام معقول

 ..
ولذوى المال من سكان هذا القسم الأقصى من إقليم الشرقية قصص تروى في الكرم العربي والعنجهية العربية
بما فيها من فضائل كثيرة وإن كانت لا تخلو من الإسراف الذي يقلب طبيعة الأشياء أحيانا .
ومركز منية القمح هو آخر مراكز الشرقية إلى ناحية الجنوب الغربي ، ولذلك كان سكانه أكثر سكان مديرية الشرقية احتكاكا بالمدنية أو بالجديد الذى يتمركز عندنا في منطقة القاهرة ومدن الساحل الشمالي التي تتأثر قبل غيرها بكل وارد من أوربا.


ولقد ساعدت طبيعة الأرض نفسها على تمكين هذه الظواهر المتباينة في إقليم الشرقية وهو كما تعلم الإقليم الوحيد في مناطق القطر الذي يختلف شرقيه عن جنوبه وشماليه عن غربيه بينما يكاد سكان باقي الأقاليم في القطر يكونون وحدة منسقة إلى الحد الذي يجعلك تصدر حكما عاما على الإقليم كله بعد دراسة بلد واحد أو مدينة واحدة من مدن ذلك الإقليم.


لقد ساعدت طبيعة الأرض على تميز كل جزء من أجزاء الشرقية عن غيره، فبينما تجد أن الشرق من الشرقية رملى التربة يزرع زراعة الواحات ويصنع صناعة الصحارى مع وضع مسهولة المواصلات بينها وبين مختلف أجزاء القطر موضع الاعتبار ، فمن اهتمام بزرع النخيل وصناعة التمر إلى جانب الصناعات الصغيرة الأخرى التي تقوم على أشجار النخيل كصناعة، المقاطف والقفف وصنع الحبال من أليافها ، ومن زراعة السمسم والفول السودانى إلى تجارة الإبل والأغنام وما يتبعها من صناعة الألبان - وكان من الممكن أن تقوم هناك زراعات مثل التى تتميز بها باقي مدن القطر إلا أن الناس قد انحرفوا وطبعوا من حيث لا يعلمون واستمروا الحياة التي تلائم جوهم وطبيعة أرضهم ، ولكنهم استعاضوها بخير منها - فهم يتاجرون أكثر ما يزرعون ولهم في الاستبدال ظاهرة لا تلحظها فى باقى أقاليم القطر، فهم يبيعونك سلعهم من سمسم وحبال ومقاطف بما يعادلها ذرة وقحا وفولا ويفضلونها على النقد في أداء الثمن. وتعتبر تجارة الخيول والتمر من أوليات نشاطهم . بينما نرى كل هذا في الأجزاء الشرقية من الإقليم ترى أن الأجزاء الغربية ويمثلها مركز منية القمح قد قامت فيها الزراعة الحديثة التي تعتمد على شئون الري والصرف وقد شجع الناس الحكومة على شق الترع وحفر المصارف فقامت الزراعة عندهم على أحدث الأسس ولا تزال تتقدم يوما بعد يوم حتى لاحظنا أن زراعة الأرز قد كثرت فى السنين الأخيرة فى حين كانت زراعته وقفا على شمال الدلنا حيث يسهل أمرالري والصرف هناك - ولقد كثرت تبعا لذلك المصانع التي تضرب الأرز وتبيضه كما كثرت قبلها مصانع حليج القطن وفرزه وكبسه للتصدير ، حتى لقد كان الزقازيق شأن أى شأن قبل أربعين سنة إذ سمعنا أن بعض أهل القاهرة من هواة السهر والسمر كانوا يحضرون إلى الزقازيق لقضاء يوم أو بعض يوم لأن البلد كانت تعج
بالملاهي والمساهر التي امتازت بالرقص والموسيقى والغناء نتيجة لنشاط تجارة القطن وما يتبعها من كثرة النقد المتداول في أيدى التجار منهم حيث كان فيها من تجار القطن الكبار ما يفوق غيرها من البلاد - عدا الاسكندرية - حتى إننا أبناء هذا الجيل نذكر أن مدينة الزقازيق كانت من البلاد المشتهرة بصناعة الحصير وحلج الأقطان واستخراج الزيوت وعمل الكسب كما علمونا فى دروس الجغرافيا في تلك السنين .


كل ذلك وما شابهه جعل من سكان المنطقة الوسطى فى الشرقية زراعيين تجاريين يكادون يتجرون في كل ما يصل إليهم من غلات ومنتجات - فهم يتاجرون فى الماشية والأغنام ومختلف أنواع الحيوان، كما يتاجرون في القطن والأرز والفول السودانى ، وما جرى على شاكلتها إلى الحد الذى جعل من المصارف الوطنية والأجنبية تفتتح لنفسها فروعا في منطقتى الزقازيق ومنية القمح - ويتاجرون أيضا في المنسوجات البدائية التي تقوم على الأنوال في الأغلب ... وهم زراعيون يكادون لا يتركون صنفا أونوعا إلامارسوه فزرعوا الأرز كما قلنا وهو من غير أنواع النبات التي تجدد فى أرضهم وزرعوا قصب السكر للاستهلاك المحلى تقريبا وليس للصناعة التي احتكرتها شركة نجع حمادى : هذا إلى أن صناعة الفخار انتشرت في بلاد هذه المنطقة انتشارا يلفت النظر - وإنه لمن المشاهد اللطيفة المسلية أن تقف يوما على ضفة النهر المسمى «بحر مويس، لترى السفن - وقد حملت خليطا من الأشياء - تروح وتغدو عبر إقليم الشرقية من شرقيه إلى غريبه وبالعكس.

وحياة الناس الاجتماعية هي نتاج هذا التباين والتنوع حتى إن سمرهم نفسه قد جمع بين أمور الدنيا والدين فلا تكاد تجد واحداً من الشرقية لا يعرف ، الشيخ أبا مسلم ، في " بخطيط " أو . الشيخ جودة  في منية القمح أوالشيخ أبا خليل ، في الزقازيق، ولكل من هؤلاء الصالحين مولد يقام في كل سنة يكاد يجتمع فيه جزء ظاهر أو نسبة ملحوظة من سكان الإقليم كله ، ولو أنك  خبرت هذه الموالد بعين الباحث لو عيت المجتمع الشرقاوى ، ففي كل من هذه الموالد نشاهد قاسما مشتركا هو سباق الخيل وهو ظاهرة عربيةو تشاهد التحطيب وهو رياضة مصرية فرعونية ، وتستمتع بالرقص البلدى وملاعب ترويض الوحوش ، ولا يكاد يخلو واحد منها من "الحواة " أو  "السحرة " الذين يعتمدون على "خفة اليد" وهي حرفة تستهوى اكثر ما تستهوى الفلاحسين الذين يرجعون مايرون إلى قوى خارقة علوية أو أرض وهم إذ يعتقدون ذلك إنما
لأنهم حسنو النية سليموالطوية إلى حد استبعاد طبيعة الشر والإتيان بالمستحيل على البشر ومن هنا شاعت الفكاهة بأن أهل الشرقية ، عبط ، ذلك لأنهم كا أسلفنا يرجعون كل ما هو غير عادى إلى قوة قادرة مستمدة من روح قادرة أو عقل غير محدود حتى إنهم يخافون الدراويش ويتبركون ببعض البلهاء اعتقادا فيهم بأنهم أبعد الناس عن النفس والشر وبأنهم أقرب من غيرهم إلى رضا الله ، ويخشى الكثير منهم الحيوان الوديع الأليف كالقطط فلا يؤذونها بالليل توهما منهم أن الأرواح الطيبة تتناسخ وأن لها قدرة على التشكل والتلون
وليس أقرب إلى طبيعتها من الحيوان الصغير الأليف الوديع.

ولهذه الأشياء وغيرها أستطيع أن أقول إن سكان مديرية الشرقية وعلى الأخص سكان منطقة منيا القمح من أشد الناس تمسكا بأمور دينهم والمحافظة على شعائره عن إيمان راسخ وعقيدة ثابتة حتى إن العاقين منهم مستترون على الأغلب فلا تكاد ترى فى بلاد الشرقية كلها من يشرب الخمر علانية أو يقامر على مرأى من الناس إذا ما قسنا ذلك بلاد الصعيد المعروفة بالحرص والمحافظة حيث ينظرون هناك إلى هذه المسائل وأشباهها نظرتهم إلى مسائل خاصة بمن يأتيها ولا يضرهم ذلك مالم يسبب ضررا أو مساسا بالعرض أو أذى للآخرين .. أقول على العكس من ذلك نرى أن أهل الشرقية ينظرون إلى السكران أو المقامر نظرتهم إلى
مصاب بالطاعون أو كافر زنديق لا يجوز التعامل معه أو التقرب إليه أو أخذ كلامه كما ينبغي أن يؤخذ كلام غيره من الناس ، وفى رأيهم أن ذلك الضرب من الناس خارجون على الدين أو مارقون .. ولقد بلغ الأمر بعضهم أنهم يخافون الدنس أن ينطقوا بكلمة والخمر، فيطلقوا عليها اسم" المية الحمرا " فلا تكتب لهم سيئة إذا ما جرى ذكر المنكر على لسانهم .


وإنك لتجد في الكثير من قرى الشرقية أن أهلها كثيرا ما يحتفلون بليلة الجمعة المباركة ، باقامة الأذكارعلى شكل متسع - ومن ذلك ما يؤيد القول الشائع بأن الجنود المصريين بقيادة عرابى باشا وهو في «هرية مركز الزقازيق كان يفرض عليهم أن يقيموا الأذكار للحمد والتسبيح وأن أهل الشرقية كانوا ممن أبلوا بلاء حسنا في قتال الإنجليز" الذين كفروا " رغم حادث الخيانة الفردى الذى اقترفه بعض الأعراب الرحل في الجزء الشرق من الشرقية

.
ولطبيعة أهل مديرية الشرقية السمحة الهادثة وجد الكثير من الهاربين من وجه العدالة مرتعا كريما بينهم.

ولقد اختلط  كثير من أهل الصعيد وتزاوجوا وأنسلوا وكان من نتيجة ذلك أن أصبحت مديرية الشرقية من المديريات التى تمتاز بكثرة النازحين إليها لسببين :

(1)     انساع رقعتها إلى الحد الذى يمكن أن تستوعب عددا كبيرا من الغرباء
(2) كرم الضيافة التى اشتهر بها أكثر سكان المديرية ورحابة صدورهم وتأصل روح العشرة

(2)            
في نفوسهم

(3)              

.
وأكاد أعتقد أن النازحين إليها من أهل مصر العليا هم الذين نقلوا إليها عادة شرب الشاي الأسود "الزردة " فأضافوا بذلك مخدرا جديدا لا يعاقب عليه القانون إلى الحشيش والأفيون اللذين فتحا سوقا مريحة للأعراب الرحل الذين اتخذوا تجارة الإبل صناعة يروجونها بين فلسطين ومصر ويخفون تحتها التجارة الأثمة الأخرى - تجارة الحشيش والأفيون .


ولذلك بينما نجد أن بعض سكان باقى المديريات وعلى الأخص الصعيد، خمارون ، نرى أن بعض سكان القسم الشرقى من الدلنا وعلى الأخص بعض أهل الشرقية من مدمنى الحشيش والأفيون : والفرق بين طبيعة الفريقين من أهل الصعيد وأهل الشرقية هو كالفرق بين أثر الخمر على العقل والمجموعة العصبية وأثر الحشيش عليهما ، فالخمار ثائر أبدا مندفع لأتفه الأسباب غير مبال بالعواقب أو النتائج لأن الخمر تصور له الكثير من الأمور صغيرا والعظيم من الناس حقيرا، بينما نجد الحشاش ، متوا كلا متسامحا لا يتحرك إلا بعد لأى وإعمال فكر وروية فلا يقدم على أمر إلا بعد أن يستطلع النجم ويقرأ الكف ويستخير الأولياء . فإذا ما اقتنع بدأ وإذا بدأ فهو عنيد لا يرجع عن الوصول إلى غايته أو يموت دونها ، ويؤيد ذلك ما تلاحظه في جرائم القتل . ففي الصعيد يسلم القاتل نفسه على الأغلب أو تقبض عليه الشرطة لأنه لا يقترف الجرم على الأعم الاجهاراً أو نهاراً لأنه لا يفكر كثيراً قبل البدء فى الإقدام على خير أو شي ، بينما ترى هؤلاء في بلاد الشرقية دهاة وذوى مكر شديد حتى أن جرائم القتل عندهم تقيد عادة ضد مجهول . أما الحالات التي يعرف منها القائل أو المجرم فهى استثناء لا يؤخذ به ولا يقاس عليه، لأن الفاعل الممسوك باليد هو واحد من اثنين : إما متهور متسرع لا يبالي بالعواقب وذلك لا يتأتى إلا فى الحالات التي يفقد العقل فيها سيطرته على الأعصاب ونادراً ما يكون ذلك فى غير حالات العرض وما يتعلق به ، وإما أن يكون غبيا ضيق التفكير يترك وراءه في كل خطوة دليلا يتم عليه أو شاهدا يرشد إليه وذلك ليس من طبيعة أهل الشرقية.

ويحضرني في هذه المناسبة قصة طريقة رواها لي أحد الأصدقاء من وكلاء النائب العام اشتغل زمنا في إقليم الشرقية. وتتلخص القصة في أن النائب أخطر للقيام للتحقيق في جريمة قتل انهم فيها أهل القتيل شخصا معينا بالقتل ، وقد قامت الشرطة بتفتيش منزل المتهم ولكنهم لم يعثروا على شيء يفيد التحقيق وقد حاور المتهم وكيل النيابة وداوره حتى لم يفز منه بطائل يلقى ضوءا على ما غمض من القضية وذلك كله رغم اعتقاد وكيل النيابة وإيمانه بأن ذلك المتهم هو القاتل لا ريب ولم يجد المحقق بدا من أن يقوم ويفتش منزله بنفسه وهناك في الدار لاحظ أن زوج المتهم كانت تحاول إبعاده عن مكان معين ولكنها كانت بعملها هذا أقرب ما تكون إلى من يلفت النظر إلى ذلك المكان بدلا من أن تبعده عنه وهناك عثر المحقق في الفرن على ثوب من ثياب المتهم قد غسل حديثا ولف على سكين ملوث بالدم ففرح المحقق بذلك الدليل فرحا شديدا واستجوب المتهم الذي أوحى إلى المحقق عن طريقة إنكاره ملكية الثوب والسكين بأنه هو الفاعل من غير شك ، واكتفى المحقق بذلك وزج بالمتهم في السجن حتى تصل نتيجة التحليل من الطب الشرعى لبقع الدم التي وجدت على الثوب والسكين ، وكم كانت دهشة المحقق حينما وصلت النتيجة بعد أكثر من أسبوع تقول إن الدم دم دجاجة مذبوحة وبذلك استطاع المتهم بالتعاون مع زوجه أن يبعد أنظار المحققين عن مكان معين قد خبأ فيه دليل ارتكابه الجريمة بأن الهاهم بتلك الخدعة التي تدل على المكر الشديد حتى يبعدوا عنه فرحين بما عثروا عليه ليستطيع هو أو زوجه - إن سجن هو - إخفاء معالم الجريمة كلها فلا يتبقى أساس واحد يمكن أن يقام عليه الاتهام بعد مضى أكثر من أسبوع و لقد كان ذلك ما حدث بالضبط إذ ما كادت نتيجة التحليل تصل على هذا الشكل إلى المحقق حتى أفرج عن المتهم فوراً حيث لا وجه لإقامة الدعوى.


ولقد أوردت هذه القصة لأدلل أن أهل الشرقية ليسوا كما وصفهم غيرهم، بالعبط ، ولكنهم كما قلت قبل هذا قوم لا يستطيعون تحميل الحال أكثر مما تحتمل فإن رأوا أمراً يعرفون أنه فوق طاقة البشر أرجعوه في الحال إلى القوى الخارقة سواء كانت خيرة ممثلة فى الله أو شريرة ممثلة فى الشيطان ، وهم قوم يمتزج دمهم امتزاجا شديداً بالدم العربي كرماء إلى حد كبير حتى إنه يقال إنهم دعوا القطار يوما إلى وليمة وضعوا فيها الأوانى على السكة الحديدية فكان طبيعيا أن يحطمها القطار فتشاوروا فى الأمر ظانين أن القطار غاضب منهم حتى أخرجهم واحد منهم من حيرتهم بأن القطار لا يأكل وإنما يدخن فأحضروا له التبغ بكميات وفيرة وانتظروا على المحطة وقدموا هداياهم إلى السائق بطبيعة الحال، وكان السائق ذكيا ماكراً أراد أن يفوز بتلك الكميات الوفيرة . فرمى أمام أعينهم بسلة من تلك السلال التي ملئت تبغاً إلى موقد القطار ثم ضغط على مفتاح خاص لإخراج البخار يخرج البخار كثيفاً حتى قال واحد من الداعين . ياه .. ! داتكته تمن " وذلك بمعنى « يا الله ...إن نفاثة القطار تستنفد ثمن أقة من التبغ، والثمن كمية كبيرة قد تملأ سلة صغيرة فعلا.

 .
ولذلك كان بعض هؤلاء الذين يقيمون الولائم لكل ضيف أو غريب ويصدقون كل ما يقال لهم
مستبعدين الكذب على الناس مثار فكاهات لطيفة تروى فى شيء كثير من المبالغة يثير ضيق أهل الشرقية ولا شك.


ولكن يجدر بنا في هذا البحث القصير أن نشير إلى أن منطقة منية القمح أصبحت على اتصال دائم مباشر بالعاصمة وسكانها - فالقطار السريع يقطع المسافة الآن فى ساعة واحدة أو أقل.

وكثيراً مانرى بعضهم يذهب إلى القاهرة ظهراً ليحضر حفلا افتتاحيا لشريط جديد فى إحدى دور الخيالة في القاهرة ويعود في نفس اليوم ليقضى الليل في بيته - وكثير جداً من موظفي الحكومة فى منطقة منية القمح يسكنون القاهرة ويحضرون صباحا في الموعد المحدد ويتناولون طعام الغداء في بيوتهم في مصر ..


ومنية القمح بلد هادى لا بأس به على الإطلاق يشقه نهر صغير هو بحر مويس ، وعلى الضفة منه يقوم ناد فخم مؤسس تجاوره بعض البيوت الحديثة - والنادى لموظفى الحكومة والأعيان والبيوت للمتيسرين من الناس. وبالبلد متنزهات للأطفال والسيدات وأخرى للرجال، والمدينة مزودة بالضوء الكهربائي والماء المقطر يصل إلى معظم الدور فيها ... ومنية القمح وإن كان يغلب عليها الطابع الريفي إلا أنها آخذة بأسباب التقدم وبكل ماهو جديد مع الاحتشام التام والترفق في الخطو السريع.

وليس الطابع الريقى الذى يغلب على هذه المنبة إلا أثرا من آثار اكتظاظ المنطقة بالسكان اكتظاظا نسيا جعل بلاد المركز متقاربة ، متصلة بخطوط منتظمة من السيارات العامة وقطر الدلتا فضلا عن الخط الرئيسي الذي يتبع مصلحة السكك الحديدية .
وبلاد المركز أكثر من تسعين ناحية يقوم على شئون الأمن فيها - بجانب عمدها - قرابة خمس نقط للشرطة .

 وأهل المنطقة كلها أبعد الناس عن الشر حتى ليتفكه رجال النيابة العامة أحيانا إذا نقل أحدهم إلى مركز منية القمح فيقولون : فلان قد نقل إلى مركز منية القمح في إجازة !.


عبد الخالق العلمي
المدرس بمدرسة الألفى الثانوية


المصدر

من كتاب الشرقية وسيناء بحث تنشره منطقة الزقازيق التعيمية (1368 هجرية -1949م) ص من 128 الى 133

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق