[القرين] القرين - الشرقية
الخطط التوفيقية لعلى باشا مبارك -ج14 - ص309-313قرية من مركز الصوالح بمديرية الشرقية، واقعة فى شرقى الزقازيق بنحو عشرين ألف متر، وفى الشمال الغربى لناحية أبى حماد، وفى شمال ترعة الوادى فى أرض رمال، ويمر فى وسطها الطريق السلطانى الموصل إلى الشام، وبناؤها باللبن الرملى، وبها مسجد عامر أنشأه السلطان قايتباى، ووقف عليه أطيانا، هى الآن من أطيان كفر غرار، وجعل له ساقية، وكان قد تخرب حتى كاد ينمحى أثره، فقام بعمارته بركات أفندى أبوديب من عرب بنى واصل النازلين بهذا المكان.
وبناحية القرين نخيل كثير، منه صنف يقال له: العامرى، نسبة إلى رجل من أهلها كان يدعى أبا عامر، كان أحضر من بلاد الحجاز فى رجوعة من الحج نخلتين صغيرتين من هذا الصنف، غرسهما فى إناء من خشب، وقد ملأه طينا، وجعل يسقيهما حتى وصل بلدة القرين، فغرسهما بها فعاشا وأثمرا ثم نتج فى أسفلهما فسلان، فنقل تلك الفسلان بعيدا عن أمهاتها، وخدمها بالسقى وغيره حتى كبرت وأثمرت، ثم أنتجت فسلانا وهكذا حتى كثر هذا الصنف بتلك الناحية، لأن له نموّا فى الأرض الرملة، وقد نقل منه فى بلاد أخر غير مرملة فلم يساو ما فى الأرض/المرملة، وقد كثر هذا الصنف فى بلاد الشرقية، وبتلك الناحية مجلس دعاوى، وآخر للمشيخة ومكاتب أهلية، وسوقها كل يوم أربعاء يباع فيه كافة المواشى وأصناف كثيرة، ويحفها من الجهة القبلية والشرقية جبل ارتفاعه من عشرين مترا إلى عشرة، وفى ذلك الجبل نخيل متنوّع التمر من نخيل الناحية، وأغلب تكسب أهلها من ناتج النخل كثماره، وليفه يفتلونه حبالا وشبكا، ويضفرون الخوص مقاطف وقففا، ومن المزروعات المعتادة وهى جملة
جملة كفور بين كل كفرين مسافة أقل من مائة متر إلى مائتين، ونخيلها فى داخل البيوت وخارجها، وزمام أطيانها ثلاثة آلاف وثلثمائة وأحد وتسعون فدانا.
وعدد أهلها أربعة آلاف وسبعمائة وتسع وأربعون نفسا، ومنهم جماعة من عرب بنى واصل وبنى شيبان وبنى عقبة، وسبب نزولهم بها كما فى مناقب سيدى عزاز ابن السيد محمد البطائحى، الذى مقامه بالجزيرة البيضاء من بلاد الشرقية أنه لما نزل بها السيد إبراهيم ابن سيدى عزاز المذكور، أقام بها معه هؤلاء العرب محبة له، وكان ذا أحوال عجيبة ومكارم أخلاق، وبعد وفاته بها استمروا هناك، وزرعوا نخيلا وبنوا منازل، وكان ذلك سببا لعمارة الوجه الجنوبى من القرين. انتهى.
* قال الشيخ عبد الغنى النابلسى إن بقرية القرين قبر الشيخ قاسم ولىّ من أولياء الله الصالحين، فى قبة مستقلة وعليه عمارة، وقبر الشيخ مساور - بميم مضمومة وسين مهملة وواو مكسورة وراء مهملة - وعليه قبة قديمة البنيان، يقال إنها من عمارة الكاشف حمزة، وقد أخبرنا بعض أهل القرين أن الشيخ قاسما والشيخ مساورا أخوان، يقال أن الشيخ مساورا أصله من مكة، ثم سكن بلدة القرين، ومات بها، وقد عمر السلطان قايتباى بالقرب منه بئرا عظيمة، وهى الآن تسمى بئر قايتباى، وبقربه قبر الولى الشيخ أبى العون، توفى فى سنة خمس وسبعين وألف، وله كرامات مشهورة. انتهى.
ومن حوادثها - كما فى الجبرتى - أنه بعد دخول الفرنسيس بلاد مصر سنة ١٢١٣، واستيلائهم عليها كان الحجاج قد نزلوا بلبيس، واكترى حجاج الفلاحين ركائب العرب فأوصلوهم إلى بلادهم، وكان ذلك فى شهر صفر، ومنهم من أقام ببلبيس، وأما أمير الحاج صالح
بيك فإنه لحق بإبراهيم بيك وصحبته جماعة من التجار، ولما بلغ ذلك الفرنسيس قاموا ودخلوا بلبيس فى الثامن والعشرين من الشهر، وأرسلوا من وجدوه بها من الحجاج إلى مصر بدون أن يشوّشوا عليهم، وصحبتهم طائفة من عساكرهم، ولما جاء الرائد إلى الأمراء وأخبرهم بوصول الفرنج، ركبوا ليلا وترفعوا إلى جهة القرين، وتركوا التجار وأصحاب الأثقال، فلما طلع النهار حضر إليهم جماعة من العرب، واتفقوا معهم على أن يحملوهم إلى القرين، وحلفوا لهم وعاهدوهم أن لا يخونوهم، فلما توسطوا بهم الطريق نقضوا العهد، ونهبوا حمولهم وتقاسموا أمتاعهم وعرّوهم، وفيهم كبير التجار السيد أحمد بن المحروقى، وكان ما يخصه نحو ثلثمائة ألف ريال فرانسا من النقود وبضاعة من جميع الأصناف الحجازية، ولحقهم عسكر الفرنساوية، فذهب السيد أحمد المحروقى إلى سر عسكرهم، وواجهه وصحبته جماعة من العرب المنافقين، فشكا له ما حل به وبإخوانه، فلامهم على غفلتهم وركونهم إلى المماليك والعرب، ثم قبض على أبى خشبة شيخ بلد القرين، وقال له: عرفنى مكان المنهوبات، فقال:
ارسل معى جماعة إلى القرين، فأرسل معه جماعة فدلهم على بعض الأحمال، فأخذها الفرنج ثم تبعوه إلى محل آخر وخرج منه إلى غيره، ثم ذهب هاربا، فرجع العسكر بحمل ونصف حمل لا غير، وقالوا: هذا الذى وجدناه، والرجل فرّ من أيدينا، فقال سر عسكر لا بد من تحصيل ذلك، ثم طلبوا منه الإذن فى التوجه إلى مصر، فأرسل معهم عدة من عسكره أوصلوهم إلى مصر، وأمامهم طبلهم فى أسوأ حال، وصحبتهم أيضا جماعة من النساء اللاتى كن خرجن من مصر ليلة الحادثة، وهن أيضا فى أسوأ حال كما تقدم فى الكلام على إنبابة.
وفى ثانى ربيع الأول وصل الفرنساوية إلى القرين، وكان إبراهيم بيك ومن معه وصلوا إلى الصالحية، وأودعوا مالهم وحريمهم هناك، وضمنوا العرب وبعض الجند حفظهم، فأخبر بعض العرب الفرنساوية بمكان الحملة، فركب سر عسكر وقصد الإغارة على الحملة، وعلم إبراهيم بيك بذلك، فركب هو وصالح بيك وعدة من الأمراء والمماليك، وتحاربوا معهم ساعة، أشرف فيها الفرنسيس على الهزيمة.
وبينما هم كذلك إذا بالخبر وصل إلى إبراهيم بيك بأن العرب مالوا على الحملة يقصدون نهبها، فعند ذلك فر بمن معه، وتركوا قتال الفرنسيس، ولحقوا بالعرب وأجلوهم عن متاعهم، وقتلوا منهم عدة وارتحلوا إلى قطيا، ورجع سر عسكر إلى مصر، وترك عدة من العسكر متفرقين فى البلاد. انتهى.
وفى موضع آخر منه أن فى أواخر شهر ذى الحجة سنة ألف ومائين وأربع عشرة، بعد انهزام الوزير يوسف باشا فى وقعة الفرنساوية، حصلت نادرة لسر عسكر الفرنساوية كليبير، وهى أنه فى سيره خلف الوزير لما قرب من القرين، قامت عليه طائفة من الفلاحين/بالنبابيت، وكان قد انفرد عن عسكره بأربعين من فرسانه، فلما رأوه فى قلة وظنوا أن عسكر المسلمين قادمة مع عثمان بيك هجموا عليه وضاربوه، حتى ضربه بعض الفلاحين بنبوت، فأصاب السرج فكسره، وضرب ترجمانه بسيف فوقع على الأرض ولم يمت، فأحس بهم عسكر المسلمين، فركبوا عليهم وحاربوهم، واستصرخ كليبير بعسكره فلحقوا به، ودام القتال بينهم من الضحى إلى العصر، وانكف الفريقان، وجلس بعضهم أمام بعض، ودخل الليل ولم يأخذ المسلمون حذرهم، فعند انشقاق الفجر رأوا أنفسهم فى وسط
الفرنسيس، وقد تحلقوا حولهم دائرة بيكارية، ففزعوا وطلب كل منهم أن ينجو بنفسه، فاخترقوا الدائرة ونفذ البعض وقتل البعض، وكان فيمن نفذ عثمان بيك، فلحق بالوزير وأخبره، فلم يسعه إلا الارتحال، ولما تحقق الفرنساوية فراره رجعوا إلى مصر إلى آخر ما هو مسطر فى الكلام على المطرية. انتهى.